اخلاص جاسم
خلف وباء كورونا
أوقف وباء كورونا عملها ورزقها، والحمل زاد الطين بلة، مصائب دنيا واجهتها بسب الزواج خارج المحاكم. بدأت رحلة غصون الشاقة (30 عاما واسمها مستعار)، قبل تفشي الوباء بسنوات، لكن لحظة فرض الحجر الصحي كانت كفيلة باستحفال الأمور المعيشية والعائلية. تم تزويج غصون في عمر مبكر، وقتل زوجها في ظروف أمنية غامضة يعيشها العراق، تاركاً وراءه طفلين وزوجة صغيرة. لم تدع غصون طفليها يذوقون ويلات معيشتها الصعبة، وبدأت تبحث عن أي عمل يوفر لها ولطفليها لقمة العيش. في كل عمل تقدمت له، كانوا يسألوها عن تحصيلها الدراسي وهي لم تكمل سوى الصف الرابع الابتدائي. عملت كمنظفة المنازل، الصالونات والعيادات كي تكون قادرة على دفع الإيجار وتوفير الغذاء ومستلزمات الحياة اليومية.
أوقفها وباء كورونا عن العمل، ولم تجد ما ما يساعدها على تأمين عيشها وعيش طفليها، ما أجبرها على اتخاذ قرار الزواج من جار لها. أوقعها قرار الزواج في العنف ومشكلات كبيرة، وهي ليست قادرة على مواجهتها. للوهلة الأولى قدم لها جارها مساعدة مالية، 500 ألف دينار، أثناء تفشي الوباء، ناهيك بمساعدات أخرى مثل الغذاء وألعاب للطفلين، الى ان جاء الوقت الذي طلب الزواج منها. “لو كان الأمر في وقت آخر لكنت رفضت الفكرة، لكن فتره الوباء كانت مرهقة جدا بالنسبة لي، خاصة انه وعدني أن يتكفل بكافة احتياجاتي واحتياجات أطفالي، لذلك وافقت دون التردد”.
تم العقد بوجود رجل دين وأصبحا زوجين. بعد فترة من الزواج تتفاجأ بانقطاع دورتها الشهرية لتؤكد التحليلات فيما بعد انها حامل. تقول غصون، “على الرغم من مواظبة أخذ موانع الحمل بشكل يومي، لا أتذكر مرة نسيتها فيها الأمر، بل كنت قد وضعت المنبه على هاتفي يخبرني كل يوم بتناول الدواء. لكن حصل الأمر”. وحين أخبرت زوجها بذلك، تحول حسب روايتها الى شخص آخر غير ذلك الرجل الذي عرفته، أنهال عليها بضرب بكل ما يحمل من قوة. “من هنا بدأت رحلتي مع العناء الطويل بحثاً عن وسيلة لإجهاض الحمل، فكيف احتفظ به وانا لا أمتلك سوى عقد زواج أجراه رجل دين لا أعرفه”. زارت غصون اربع طبيبات من أجل الإجهاض، ولم تنجح في اقناع أية طبيبة بينهن. بعدما أصابها اليأس، خاصة في ظل صعوبة التنقل بسب الحجر الصحي، بدأت تفكر بطريقة للتخلص من الحمل.
جدة الحي
اقترحت عليها إحدى صديقاتها جدة الحي، وكان الحجر الصحي قد خفّ جزئيا، ما ساعدها على الذهاب لجدة الحي كما تسمى بين الناس. كانت طريقة الإجهاض هي إعطاءها بعض العقاقير والأدوية الشعبية، وشرحت لها الجدة كيفية تناولها ثلاث مرات يومياً، وسيسقط الحنين بعد أسبوع كما قالت لها. “بعد استمراري على تناول العشبة وبعض الحبوب بدأ النزيف من اليوم الثالث وحتى اليوم الثامن. حينئذ أخبرت ابني الكبير أن يستأجر لي تكسي وينقلني إلى المستشفى، لقد كاد النزيف الداخلي يملئ كل المكان”.
بعد الوصول الى المستشفى، بدأ العاملون بالسؤال عن زوجها قبل الإسعاف الأولى. كانت حجة غياب زوجها هي انه مصاب بفيروس كورونا ويرقد في المستشفى. وطلبو منها في هذه الحالي أوراق الزواج. تقول غصون، “بدأت إحدى الطبيبات على العاملين، لأني كنت على حافة الموت، جاءت بأوراق من أجل التوقيع عليها، كانت العملية هي رفع الرحم بسب النزف الحاد و بسب المضاعفات التي تسببها العقاقير والعشبة التي تناولتها”. لقد خسرت غصون رحمها في عمر الثامن والعشرون ما ترك آثار وتراكمات صحية عديدة عليها ولم تستطع أن تتخلص منها لهذا اليوم بحسب قولها.
وبحسب تعريف منظمة الصحة العالمية، الإجهاض غير الآمن عبارة عن إجراء لإنهاء حمل غير مرغوب به، ينفذه أشخاص يفتقرون إلى المهارات المطلوبة أو يتم في بيئة تفتقر إلى المعايير الطبية أو كلاهما،. والإجهاض سواء أكان آمناً أم لم يكن فهو حدثٌ شائع حول العالم ،و حين تكون امرأة أو فتاة ما مصممة على إنهاء حملها فإنها ستفعل ذلك بغض النظر عن سلامة وقانونية الإجراء المتبع.
حين لا تتوفر الرعاية الآمنة للإجهاض تجد المرأة الراغبة باجهاض الجنين نفسها تخاطر بحياتها لإنهاء الحمل بطريقة غير آمنة باستخدام عقاقير أو المتمرسات في مهنة الإجهاض. في أحياء متفرقة بالعاصمة بغداد توجد بيوتات لمتمرسات المهنة يختبأن خلف لوحات على أبوابهن تحت عنوان التضميد أو عناوين مشابهة. الجدات أو المتمرسات لا يفصحن بعملهن لأي زائرة ترغب بالأجهاض الا بعد اخبارها بأنها من طرف فلان، أي طرف تثق به المتمرسة. تتناقل نساء عناوينهن سراً.
الجدة أم محمود وهي متمرسة في الإجهاض، رفضت التقاط الصورة لها أو تسجيل صوتها خوفاً من المسائلة القانونية، لكنها وافقت على تحرير حديثها، تتحدث عن رغبتها في أن يكون الإجهاض في المستقبل بالمراكز الصحية المتخصصة وفي المستشفيات.
أساليب قتل الجنين
تدرك ان عملها خطر للغاية، لذلك تطلب من المرأة التي تريد الإجهاض التوقيع على ورقة تعهد خطية، وتجنب نفسها بذلك من مسؤولية أية عواقب. وتشير أم محمود الى انها تجلس مع النساء الراغبات بالإجهاض كي تفهم دوافع الإجهاض، ماهي أسباب التخلي عن الحمل. وتذكر يهذا الشأن أسباب كثيرة منها، فتيات متزوجات مقبلات على الطلاق، أسباب اقتصادية لا تحتمل طفل آخر في العائلة، حمل خارج العلاقة الزوجية … الخ من الأسباب. وأكدت على ان حالات الإجهاض في زمن كورونا ازدادت بشكل غير طبيعي. ويتراوح سعر الإجهاض بين المليون والمليون ونصف دينار عراقي.
ووضحت المتمرسة كيفية القيام بالعملية عن طريق محاولة تمزيق السائل الأمينوسي المغلف للجنين، باستخدام الة حادة او أدخال سلك المغذي للرحم لمدة ثمان ساعات، ما يؤدي الى ححدث النزيف الحاد ويتم الاسقاط. وهناك حالات صعبة للغاية حيث لا يسقط الجنين، “لكنني اسعى جاهد لموته واسقاطه” تقول المتمرسة. وقد أكدت أنها تتعامل مع من يوفرون لها المغذيات وابر البنج، والآلات الخاصة بالإجهاض.
أن الإجهاض ممنوع في القانون العراقي ومحظور في المستشفيات وفي المراكز الصحية وحتى في عيادات الطبيبات ومن يمارس هذا العمل يواجه شكاوى قانونية أو عشائرية او مجتمعية، ولكن تتم العملية سراً من خلال الجدات او المتمرسات. تشير الصحفية والمدافعة عن حقوق المرأة والطفل بنين الياس الى انها رصدت الكثير من الحالات ترغب فيها المرأة الحامل بالإجهاض. وتتحدث الياس عن ممارسات ومواد وعقاقير وأدوات منزلية مثل ضخ المركبات السامة مثل الفلفل أو المبيدات الحشرية داخل جسم المرأة عن طريق عمل حقن وضخها في الجهاز التناسلي، أو تناول أدوية غير مسموح بها. وتؤكدا الياس انها تستلم الكثير من الرسائل الإغاثة من نساء يطلبون منها المساعدة، لكنها ترفض خوفا من الملاحقات القانونية، مشيرة الى ان القانون لا يسمح بذلك.
يتعرق الامر بحرية المرأة وجسدها وهي من تقرر الاحتفاظ بالجنين ام لا، وتؤكد على ان بعض الأمهات ينقلن لها عدم رغبتهم بالاحتفاظ بالجنين، هن لسن مهيئات لتربية مثلاً. وقد نوهت انها تكتب وتتحدث في كل مرة عن هذا الموضوع وفي أي مناسبة، وتطالب هي وزميلاتها الناشطات ان يكون الإجهاض آمن وقد نظموا ورش عمل وحملات للمطالبة ان يكون الإجهاض آمن يتم تجريم من تقوم برمي المولود في الازقة وفي الشوارع. اختتمت الياس حديثها بالقول، “الإجهاض يحصل
بكل الحالات ان كان ممنوع او غير ممنوع فما هو المانع إذا كان تحت إشراف طبيب وآمن؟”
مخاطر العقاقير
تشير الدكتورة سبأ هادي العادلي طبيبة اختصاص نساء وتوليد الى ان الإجهاض هو عملية إنهاء الحمل قبل الاسبوع العشرين، ودواعي الاجهاض المسموحة لهم بالقانون هي مصلحة الأم أولاً، اما دواعي مصلحة الطفل فهذا مسموح به خارج العراق فقط اما داخل العراق ممنوع وان كان الطفل سيولد بتشوهات خلقية او عقلية او أمراض. وسبب المنع برأيها هو أننا في دولة تقتمد قوانينها على الشريعة الإسلامية، والاجهاض يخالف الشرع بحسب قولها. ولتجنب الحمل وعدم الوقوع في مشكلة الإجهاض تقترح الدكتورة سبأ عدم أخذ الحبوب ثنائية الهرمون بانتظام لمدة 21 يومًا، ويجب أن يتم تناول الجرعة بشكل يومي ثم وقفها لنزول الدورة الشهرية، وتؤخذ مرة ثانية في اليوم الخامس من فترة الحيض احد الأسباب التي تقع النساء بالحمل . كما تؤكد على التأخير لمدة 3 أو 4 ساعات عن الموعد المحدد يوميًا لتناول الحبوب، مشيرًا إلى أن تأخيرها يتسبب في نزول الدم أو زيادة فرصة حدوث الحمل، وخاصة في حالة تناول الحبوب أحادية الهرمون، لذلك يجب تناولها باستمرار.
يذكر ان الإجهاض المسموح به قانونيا في المستشفيات العراقية وتم سماح به من قبل وزارة الصحة، هو ان يتم بسبب أمراض سرطان على شرط أن تأخذ جرعات الكيماوي والعجز الكلوي، غير ذلك وأسباب مرضية أخرى للإجهاض، لا يجوز الإجهاض وفق القانون والشرع.
أن الإجهاض خارج المستشفى كما وضحت مخاطره الدكتورة زينب العابدي اختصاص نسائية وتوليد، يحمل الكثير من المضار التي قد تؤدي الى فقدان حياة المرأة الحامل، كحدوث النزيف جراء استخدام الآلات الحادة غير المعقمة وافتقاد المتمرسات الى الغرف المعقمة والمهيئة، بالإضافة أن الإجهاض خارج المستشفى له مضاعفات لا يمكن السيطرة عليها عند حدوث نزيف والحاجة نقل الدم.. الخ من الاحتياجات والمستلزمات الصحية. وقد يحدث ثقب في غلاف الرحم نتيجة الآلات الحادة التي يتم أيلاجها داخل الرحم، وأن أول مرحلة لابد العمل بها في الإجهاض هو الفحص النسائي وتأكد من سلامة خلوها من الأمراض وبعض التحاليل التي تكون بحاجة اليها وحسب الحالة ويجب أن يكون لدى الحالة تاريخ طبي هذه نقاط مهمة تسبق الإجهاض. وقد أكدت العبادي ضرورة تثقيف النساء بهذا الخصوص، محذرة استخدام العقاقير لأنها مجهولة المكونات وقد يحدث النزيف والتسمم ونواحي كثيرة تضر بالصحة وتترك مضاعفات كبيرة.
القانون العراقي والإجهاض
أشار المحامي حسين مصطفى الشريفي الخبير في شؤن الاسرة والطفل، يكون الإجهاض جريمةً عند علم الأم أو من يحرضها ويساعدها بخطورة الفعل ومعناه، أن “القانون العراقي الحالي يعدّ الإجهاض جريمةً يعاقب عليها القانون حسب المواد 417 و 418 و 804” أي تعاقب الام بمدة لا تزيد عن سنة وغرامة مالية، ووضح الشريفي أن المشرع العراقي شدد العقوبة على من ساعد على الإجهاض سواء كان صيدلاني او طبيب او متمرسة بالحبس سبع سنوات وتمنع من ممارسة المهنة ثلاث سنوات، وقد أضاف ان المشرع العراقي خفف العقاب على من اجهضت جنينها خوفا من العار أي يكون الجنين خارج نطاق الزواج خفف العقوبة ولم يلغيها. واكد المحامي على ان هذه المواضيع هي مواضيع يتم حلها عشائريا قبل ان يبث القضاء حكمة فيها، ذلك ان المجتمع العراقي برأيه مجتمع متحفظ.
الصحة العالمية
تقول منظمة الصحة العالمية في تقرير لها، صدر في آذار/ مارس الماضي، إن 25 مليون حالة إجهاض غير آمن تحدث عالمياً كل عام، و97% من هذه الحالات تحصل في البلدان النامية. وأشارت المنظمة إلى أن الإجهاض هو “إجراء بسيط وآمن للغاية”، عندما يتم باستخدام طريقة موصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية، وتتناسب مع مدة الحمل وبمساعدة شخص لديه المعلومات أو المهارات اللازمة. ولكن تبيّن المنظمة أن نحو نصف حالات الإجهاض فقط، يتم إجراؤها في ظل هذه الظروف المُوصى بها، وتتسبب حالات الإجهاض غير الآمن في نحو 39 ألف حالة وفاة كل عام، وتؤدي إلى إدخال ملايين النساء إلى المستشفى بسبب المضاعفات.